تفسير قوله تعالى: "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ"
يقع هذا التفسير في سياق آخر سورة في القرآن الكريم، سورة الناس، التي تُعدّ من سور الاستعاذة واللجوء إلى الله تعالى، حيث يُعلم الله عباده أن يلجأوا إليه ويستعيذوا به من شرور الخلق والوساوس التي قد تصيبهم.
📖معنى الآية:
- "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ":
- الوسواس هو الشيطان أو كل ما يوسوس للإنسان سواء كان من الجن أو الإنس. "الوسوسة" هي الكلام الخفي الذي يلقيه الشيطان في قلب الإنسان دون أن يشعر به بوضوح. غالباً ما تكون الوساوس همسات الشيطان في الصدر لتحريض الإنسان على السوء والابتعاد عن طريق الله، سواء عبر زرع الشكوك، التردد، أو الفتن.
- "الْخَنَّاسِ":
- "الخناس" هو الذي يختفي ويتراجع بعد أن يظهر. هذا يشير إلى سمة الشيطان الذي يوسوس في صدر الإنسان، فإذا ذكر الإنسان الله أو استعاذ به، تراجع الشيطان واختفى. وهو شديد الحذر، إذ يأتي عند الغفلة ويختفي عند الذكر. قال العلماء إن "الخناس" يأتي من "الخنوس" أي التراجع والاختباء بعد التقدم.
🔍تفسير العلماء:
- تفسير ابن كثير:
يقول إن الوسواس الخناس هو الشيطان الذي يكون على رأس ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، أي ابتعد واختفى، وإذا غفل عن ذكر الله وسوس له. الشيطان يأتي للإنسان في حالات الغفلة ويزين له المعصية، ويحثه على الفساد، ولكن حين يذكر الإنسان الله، فإنه يبتعد ولا يستطيع السيطرة على الإنسان.
- تفسير الطبري:
الطبري يشرح بأن الله يطلب من الناس الاستعاذة من شر الوسواس، وهو الذي يلقي في قلوب الناس الأفكار السيئة. ويركز على أن الشيطان يوسوس للإنسان بطرق خفية، وأنه يختفي عند ذكر الله. كما يبين أن "الخناس" هو الشيطان الذي يختفي عند ذكر الله أو عند ظهور الحق.
- تفسير القرطبي:
يرى القرطبي أن "الوسواس" هو الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس، وأن "الخناس" هو الذي يتراجع ويختفي عند ذكر الله. وقد أشار إلى أن الوسوسة تأتي من مصدرين، هما:
- الشيطان: وهذا هو الوسوسة التي تأتي من الجان، وتكون في صورة التحريض على فعل المعاصي.
- الناس: حيث قد يأتي الوسواس من الناس أنفسهم عندما يحث بعضهم البعض على الفساد والانحراف.
- تفسير السعدي:
يركز السعدي على أن الشيطان يستخدم الوسوسة كوسيلة لإضلال الناس وإغوائهم. لكنه خناس، أي أنه يهرب ويندحر عندما يذكر الإنسان ربه. فالاستعاذة بالله وسيلة فعّالة لدفع شر الوساوس.
🛡️أنواع الوساوس:
- وساوس الشيطان: وهي وساوس تحاول إغواء الإنسان ليبتعد عن طاعة الله، مثل وساوس الكفر والشرك والمعاصي.
- وساوس النفس: قد يكون الشخص هو مصدر وساوسه من داخله، عندما يشعر بالتردد والقلق والشكوك.
- وساوس الناس: قد يوسوس بعض الناس للآخرين في أمور دنيوية، مثل تشجيعهم على اتخاذ قرارات سيئة أو فعل أشياء غير مقبولة.
📝كيف نحمي أنفسنا من شر الوسواس الخناس؟
- ذكر الله: أفضل وسيلة للتخلص من وساوس الشيطان هي الإكثار من ذكر الله، فكلما ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان واختفى.
- الاستعاذة بالله: قراءة سورة الفلق وسورة الناس تعين المسلم على التحصن من وساوس الشيطان.
- الابتعاد عن مواطن الشبهات: حيث أن الشيطان يجد فرصة أكبر للوسوسة عندما يكون الإنسان في حالة غفلة أو تردد.
- التوكل على الله: يجب أن يكون المؤمن دائم التوكل على الله والاعتماد عليه في جميع شؤونه، ويدرك أن الله قادر على حمايته من جميع الشرور.
🔚الخلاصة:
تفسير قوله تعالى "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" يركز على فكرة الاستعاذة بالله من شر الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس، ولكنه يختفي عند ذكر الله. هذا التفسير يدل على قوة الذكر وأثره في دفع الوساوس وحماية المؤمن من شرور الشيطان.
إرسال تعليق