آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران أم مريم ، وعيسى عليه السلام فعمران جد عيسى لأمه ، وامرأة عمران جدته لأمه ، وكان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه ، وكانت زوجته امرأة عمران امرأة صالحة كذلك ، وكانت لا تلد ، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا ، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس ، فاستجاب الله دعاءها ، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي مريم، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام ، وهو زوج خالتها ، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا ..
كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى ، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين ، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا ، فيسألها من أين لك هذا ، فتجيب ( قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)
كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى ؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية ، دون أن يكون له أب كسائر الخلق ، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ )
بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها ، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود .. هذا الوجود ، والوجود الذي لم يخلق بعد .. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة .. وعادت الملائكة تتحدث ( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )
كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها ، وسجودها وركوعها لله .. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع .. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول :
وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً (21)
جاء جبريل –عليه السلام- لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال فخافت مريم وقالت : (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) أرادت أن تحتمي في الله وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه .. فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه ( قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا )
اطمئنت مريم للغريب ، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) استغربت مريم العذراء من ذلك .. فلم يمسها بشر من قبل .. ولم تتزوج ، ولم يخطبها أحد ، كيف تنجب بغير زواج !! فقالت لرسول ربّها (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)
قال الروح الأمين ( كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا )
استقبل عقل مريم كلمــات الروح الأمين .. ألم يقل لها إن هذا هو أمر الله ..؟
وكل شيء ينفذ إذا أمر الله .. ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسها بشر ..؟
لقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم ، لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم وخلقت حواء من آدم فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى .. ويخلق ابنها من غير أب .. يخلق من أنثى بغير ذكر .. والعادة أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى .. العادة أن يكون له أب وأم .. لكن المعجزة تقع عندما يريد الله تعالى أن تقع .. عاد جبريل عليه السلام يتحدث ( إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ )
زادت دهشة مريم .. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه .. وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس ، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير .. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر .. نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم " الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر " فحملت فورا
ومرت الأيام .. كان حملها يختلف عن حمل النساء .. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا ارتفع بطنها كعادة النساء .. كان حملها به نعمة طيبة. وجاء الشهر التاسع.. وفي العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع .. بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر ، وإنما ولدته مباشرة كمعجزة .قصة مريم العذراء🌸
🌸🌸
بعد أن بشّر جبريل -عليه السلام- مريم بأنّها ستكون العذراء التي ستلد نبيّ الله عيسى عليه السلام غادرها، وأدركت مريم أنّها حملت على كاهلها مسؤوليّةٍ عظيمةٍ، وقد يسّر الله -تعالى- على مريم حملها، فكان حملاً يسيراً سهلاً، حتى أذن الله أن تضع مولودها على حين غرّةٍ منها،
قال الله تعالى: (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا*فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)،
فقالت ذلك من المفاجأة والضيق الذي وقعت به، حيث لم يكن يأساً من رحمة الله -تعالى- وصِلته لها قطعاً، ولكنّه تعب اعتراها كما يعتري أيّ بشر في لحظة شديدة، ولم تتأخّر رحمة الله -تعالى- ورأفته بحالها فأنطق طفلها عيسى -عليه السلام- لتطمئن،
قال الله تعالى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا*وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا*فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).
توجّهت مريم -عليها السلام- إلى قومها وهي تحمل طفلها على يديها، فتفاجأ القوم من العابدة المتبتلة التقية، التي ربّاها نبيّ الله زكريّا عليه السلام، وتعجّبوا من صنيعها، وذكّروها بأنّها كانت ابنة مؤمنين صالحين لم يكن عندهم البغاء،
ثمّ رموها بالبغاء لمّا رأوا حالها، وكانت مريم -عليها السلام- صائمةً عن الكلام كما أمرها الله -تعالى- حين أنطق بذلك عيسى عليه السلام، فأشارت إليه ولم تتكلّم، فأنطق الله -تعالى- نبيّه مجدّداً أمام قومه مُدافعاً عن والدته، قال الله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا).
اذا انتهيت من القرأة اذكر الله وشارك المنشور في ثمان مجموعات لا تعلم كم ستكسب من الحسنات
القصة القادمة ان شاء الله عن احد الانبياء
إرسال تعليق